رسائل تكتبها شخصيات هويدة هم رسائل الينا و الى العالم لعلنا نفهم ما كان و من نحن.. فالضوضاء التي احاطت بنا لسنين أنستنا جمالنا و حلم انستنا أصلنا و طريقنا، فتأتي رسائل هويدة و سردها لمحادثات و وقائع لتعيد لنا ذاكرة تكاد ترحل و لتريح النفس. كانت العقيدة تقويهم و تجعلهم انسانيين بمرتبة أولى… تجعلهم منفتحين لاختلاط الاديان و تمازجها بكل حب و ارياحية مادام حب الله يجمعها. و كم جميل أن تلاحظ جمال شعائرنا عندما تراها بعين غير مسلم. جنود يسرون انهم يرغبون بالموت في وطنهم فهم في النهاية جند احتلال لا صلة لهم بالارض و الزياتين و القمح. يعترفون بصمودنا و ثقافتنا و تسامحنا و ينعتوننا بالجهلة و نحيطهم بانسانيتنا التي تخطت حربهم. تعيدني « هذا زيتون أجدادي » يقولها محمد لجنود تحرق أرضه الى واقع مرير، فقد تزامن قراءتي للكتاب حرائق تونس و غاباتها.. اكثر من ثمانين حريقا متزامن و في اماكن مختلفة. لن يمكنك مسك دمعة نازلة و انت تعايش زيتون الاجداد المحترق. تعرف هويدا تونس فتكتب انها بربرية فنيقية عربية. كم أهوى هذا التعريف و هذا المزيج في وطني. تطرقت أيضا هويدا لالغاء الرق فارتقت بروايتها بحقائق مسلمة. شكرا هويدا لانك ارجعت للاسلامنا حقيقته.. شكرا لاعادتك ذاكرتنا… شكرا هويدا لانك مزجت منع نساءنا من الحلم كمنع أرضنا من الحرية. كليهما حلم ممنوع. نسائنا فخرنا الدائم فهن الكادحات الواعيات المثفغات المسؤولات في حين يظن الرجل انه  » اسد العرين ». و هن ايضا حاربن المستعمر و اتقنن اللغات، زهرة أكبر دليل. زهرة برواية أكودة تحملني الى صورة زهرة الكودية صديقة جدتي رحمهما الله، بنفس لباسها البربري الاحمر  » التخليلة » و بنفس القوة البدنية، نفس الحنان، نفس الابتسامة الحزينة و نفس الذكاء. بساطة الحياة التي تنحتها رواية اكودة اضافت رونقا و جمالا لحياة الاجداد، فبقدر البساطة كان العمق و التآزر و الحب. و تنقل لنا الرواية خصاما شهدته قرية أكودة بقرية القلعة الكبرى المجاورة، لندرك أن قضية المتخاصمين واحدة و ان طريقتهما في الدفاع على الارض هي التي تختلف، فبين من يشتري السلاح ليدافع على الارض كأهالي قرية القلعة و بين من يرى ان بدفاعه عن الارض هو دفاع على الحاكم ، يبرز اختلاف الصورة و لكن وحدة المعنى، الجارين يطوقان الى الحرية. لتنتهي زهرة بشراء طائرات كما اشترى اهل القرية المجاورة الأسلحة.. في احدى الصفحات الأخيرة للرواية التي جمعت كل التونسيين بغض النظر من انتماءاتهم و عقائدهم و جمعت الانسانية بقطع النظر عم جنسياتهم يأتينا حوار في أسطر قليلة يقسم التونسيين. يقسم التونسيين الذين قاوموا الاستعمار كل على منواله و طريقته كما ورد بكامل الرواية الى دستوريين و شعب. هنا علينا أن لا ننسى أن الدستوريون هم من الشعب و من الشعب دستوريون و هم من التونسيين الذين قاوموا الاستعمار و هم من بناة الدولة الحديثة. فرفقا بتاريخ تونس و بشعب تونس. و تماما كما ورد بالرواية، التفرقة تضر بنا و لا تنفع البلاد و العباد. فلنجتمع حول تونس، لا يفرقنا شيء، نتخطى اختلافاتنا كي لا يتخطانا الزمن. خلاصة أحداث الرواية، أن بأرض تونس، يتلاق الاتراك، الفرنسيين، الامريكيين، الانقليز، الالمان ليفتكوا أرضا ليست لهم و يحتلوا شعبا و تاريخا . لكن يفتك الشعب التونسي القلوب و يجمع بين أعداء الحرب ليذكرهم بانهم انسان قبل أن يكونوا أعداء. و نتأكد أن شعب تونس مليء حبا و ايمانا و انسانية و ذكاءا و وطنية. كل رجائي أن تترجم هذه الرواية الى الانقليزية على الأقل و أن يقع اخراجها في فلم تونسي. و كما أعلمتني هويدة، ان للرواية بقية، تحكي تاريخا تمتزج فيه المفارقات . ننتظر الرواية الجديدة ( بنزرت) لهويدة، التي ستكون هدية، ليست فقط لنا بل أيضا لأرواح شهدائنا البررة لتونس، أولئك الذين ضحوا بأرواحهم ليكون لنا وطن. فلنحافظ على الامانة الغالية لننقلها الى أبناءنا و أحفادنا سالمة. 

رانيا الحمامي

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *