كلما تشتد بي الرغبة لرايتها و رمي اثقالي على كتفيها و ابدأ التخطيط للذهاب اليها في عطلة نهاية الاسبوع، أتذكر انها لم تعد هنا بيننا، ينتابني ألم يعصر قلبي و يخنقني،ينقطع الهواء و لا يدخل صدري و ينتابني بكاء مر شديد، انا التي ارفض كل الاحزان، اجدني اغرق بدموعي.
جدتي، احتاجك جدا.
جدتي لقد استنفذت كل نصائحك، جدتي اني ارغب بنصائح اخرى جديدة، جدتي ارغب باستشارتك فلا مشير لي غيرك.
جدتي ارغب ان تقيس لي معصمي باصبعيك كما كنت تفعلين كل مرة ازورك فيها، فانا لا أثق بالميزان كما اثق بك و بجملتك المعتادة التي لا تتغير في اغلب الاحيان تعبرين لي فيها عن حبك و حيرتك لان التعب الذي جعل من معصمي رقيقا يأرقك.
جدتي ارغب ان أستمع مجددا الى تلك الحكايات التي تمتد من طفولة جدتك الى شبابك، كل الاساطير و تاريخ البلاد بحلوه و مره و روايات المدينة العتيقة و بحرها و اسرارها.
جدتي كم اشتاق اليك.
جدتي جدتي الف رحمة عليك مني و لا تكفيك، ادخلك الله جنانه بلا حساب و لا عقاب. جدتي، وعد مني اليك ساكون كما كنت : كنت إمراة من حديد، كنت الرحمة للكثير، كنت امرأة تلين الصعاب امامها و تندثر العراقيل بوجودها، كنت عقلا مدبرا و مرجعا للكثير، كنت ذو رؤية عميقة …
كنت صديقتي التي امضي معها اشهر العطلة الصيفية منفردين في منزل « الشط » استمع اليها بلا ملل، أمزج كلامها بما اقرئه حينها لجبران، كنت لا اعينك على شيء خلف محاولة اخراج الماء من العين كنا نسميها ماجل، لامدك دلوا شبه فارغ كل مرة، كم جميلة تلك الذكريات.. كم كنت معطاء بلا حساب، كم كنت شامخة ، كم كنت امرأة ليست ككل النساء. صديقتي، لم اعد استطيع الذهاب الى ذلك المنزل الصيفي، ذلك الماجل و الحبل و الدلو يحملونني الى ذكريات لا يمكن لها ان تعود، و ذلك الزر الكهربائي يخبرني صافعا ان ذلك « الفنار » الذي كنت تشعيلينه عند بداية المساء ليضيء سهرتنا انتهى و ان ذلك الزمان انتهى و لن يعود ،فتعتصرني الايام الجميلة و توجعني فاهرب بلا عودة، فلم يعد ذلك المنزل مكاني المفضل، انه يؤلمني.
صديقتي ارقدي بسلام، سالتحق بك يوما، و ستنقلب الادوار و ساروي انا لك الحكايات و الروايات و عجائب البلاد و ما جرى بالمدينة و بحرها و سورها و دروس الحياة و عجب العباد، و عندما انتهي من الكلام متاكدة بانك ستجيبينني : ما الغريب انسيت ما رويته لك و تلك العبرة و الخلاصة التي اخبرتك بها
جدتي، كنت و مازلت نورا يشع و حبا يغرق الجميع، ذكراك لا تفارقنا، تجمعنا دائما و تقربنا
رحمك الله
رانية الحمامي